الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَهُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَنْ أَهْلِ الْأَثَرِ:أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ: هُمُ الْوَفْدُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ مَنْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ.وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَا ذَكَرَ اللهُ بِهِ النَّصَارَى قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنَ الْحَبَشَةِ آمَنُوا إِذْ جَاءَتْهُمْ مُهَاجِرَةُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ لَهُمْ.وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}.وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمَرِيَّ وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ مَرْيَمَ فَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ فِيهِمْ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} إِلَى قَوْلِهِ: {مَعَ الشَّاهِدِينَ}.وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: هُمْ رُسُلُ النَّجَاشِيِّ الَّذِينَ أَرْسَلَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ قَوْمِهِ، كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا اخْتَارَهُمْ مَنْ قَوْمِهِ الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ فِي الْفِقْهِ وَالسِّنِّ، وَفِي لَفْظٍ: بَعَثَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ «يس» فَبَكَوْا حِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} الْآيَةَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ أَيْضًا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} (28: 52) إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} (28: 54).وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا بَرَّايِينَ يَعْنِي مَلَّاحِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ آمَنُوا وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَرْضِكُمُ انْتَقَلْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ» فَقَالُوا: لَنْ نَنْقَلِبَ عَنْ دِينِنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ}.وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ أَقْبَلُوا مَعَ جَعْفَرٍ مَنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَ جَعْفَرٌ لَحِقَ بِالْحَبَشَةِ هُوَ وَأَرْبَعُونَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَمْسُونَ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ عَكٍّ أَكْبَرُهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْغَرُهُمْ عَامِرٌ، فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا فِي طَلَبِهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَأَتَوُا النَّجَاشِيَّ فَقَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَفْسَدُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوا فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: بَعَثَ اللهُ فِينَا نَبِيًّا كَمَا بَعَثَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا يَدْعُونَا إِلَى اللهِ وَحْدَهُ وَيَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُنَا بِالصِّلَةِ وَيَنْهَانَا عَنِ الْقَطِيعَةِ، وَيَأْمُرُنَا بِالْوَفَاءِ وَيَنْهَانَا عَنِ النَّكْثِ، وَإِنَّ قَوْمَنَا بَغَوْا عَلَيْنَا وَأَخْرَجُونَا حِينَ صَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا نَلْجَأُ إِلَيْهِ غَيْرَكَ، فَقَالَ مَعْرُوفًا، فَقَالَ عَمْرٌو وَصَاحِبُهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ، قَالَ: وَمَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى؟ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ وَرُوحُهُ وَلَدَتْهُ عَذْرَاءُ بَتُولٌ، قَالَ: مَا أَخْطَأْتُمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَصَاحِبِهِ: لَوْلَا أَنَّكُمَا أَقْبَلْتُمَا فِي جِوَارِي لَفَعَلْتُ بِكُمَا، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ جَعْفَرًا وَأَصْحَابَهُ إِذْ أَقْبَلُوا جَاءَ أُولَئِكَ مَعَهُمْ فَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قَائِلٌ: لَوْ قَدْ رَجَعُوا إِلَى أَرْضِهِمْ لَحِقُوا بِدِينِهِمْ، فَحَدَّثَنَا أَنَّهُ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ سَبْعُونَ مِنْهُمْ فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: بَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سَبْعَةٌ قِسِّيسِينَ وَخَمْسَةٌ رُهْبَانًا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ فَلَمَّا لَقُوهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بَكَوْا وَآمَنُوا وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} الْآيَةَ.وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَخَافُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَبَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُشْرِكِينَ بَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي رَهْطٍ مِنْهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِينَا رَجُلٌ سَفَّهَ عُقُولَ قُرَيْشٍ وَأَحْلَامَهَا زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ رَهْطًا لِيُفْسِدُوا عَلَيْكَ فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَأْتِيَكَ وَنُخْبِرَكَ خَبَرَهُمْ، قَالَ: إِنْ جَاءُونِي نَظَرْتُ فِيمَا يَقُولُونَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا إِلَى بَابِ النَّجَاشِيِّ قَالُوا: اسْتَأْذِنْ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ، فَمَرْحَبًا بِأَوْلِيَاءِ اللهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا، فَقَالَ الرَّهْطُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَلَمْ تَرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّا صَدَقْنَاكَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُحَيُّوكَ بِتَحِيَّتِكَ الَّتِي تُحَيَّا بِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِي؟ قَالُوا: إِنَّا حَيَّيْنَاكَ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا يَقُولُ صَاحِبكُمْ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ قَالُوا: يَقُولُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَيَقُولُ فِي مَرْيَمَ: إِنَّهَا الْعَذْرَاءُ الطَّيِّبَةُ الْبَتُولُ، قَالَ فَأَخَذَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا زَادَ عِيسَى وَأُمُّهُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ هَذَا الْعُودَ، فَكَرِهُ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَهُ وَتَغَيَّرَتْ لَهُ وُجُوهُهُمْ فَقَالَ: هَلْ تَقْرَءُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ وَسَائِرُ النَّصَارَى فَجَعَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ كُلَّمَا قَرَءُوا آيَةً انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}.هَذَا وَإِنَّ الْمُحَدِّثِينَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ أَمْثَالِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِتَعَدُّدِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ اعْتَمَدُوا عَلَى مَا كَانَ أَقْوَى سَنَدًا.ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ مُخْتَصَرَةً وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مُطَوَّلَةً عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي سَبَبِ إِسْلَامِهِ، مُلَخَّصُهَا أَنَّهُ كَانَ مَجُوسِيًّا وَظَفِرَ بِبَعْضِ عُبَّادِ النَّصَارَى الْمُنْقَطِعِينَ فِي بَعْضِ الْجِبَالِ وَسَافَرَ مَعَهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَهُنَاكَ اتَّصَلُوا بِعُبَّادٍ مِثْلِهُمْ وَلَقُوا رَجُلًا كَانَ مُنْقَطِعًا لِلْعِبَادَةِ فِي كَهْفٍ عَظَّمُوهُ كَثِيرًا، وَوَعَظَهُمْ هُوَ وَعْظًا بَلِيغًا، ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ عِيسَى كَانَ رَسُولًا لِلَّهِ وَعَبْدًا أَنْعَمَ عَلَيْهِ فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْكَهْفِ إِلَّا يَوْمَ الْأَحَدِ، ثُمَّ سَافَرَ الْعَابِدُ وَسَافَرَ مَعَهُ سَلْمَانُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُنَاكَ شَفَى الله عَلَى يَدِهِ مُقْعَدًا، وَقَدْ وَعَظَ سَلْمَانَ قَبْلَ فِرَاقِهِ فَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَبِعْثَةَ نَبِيٍّ مِنْ تِهَامَةَ صِفَاتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ وَأَوْصَاهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، ثُمَّ فَارَقَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِدْرَاكَهُ، فَلَقِيَ رَكْبًا مِنَ الْحِجَازِ حَمَلُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعُوهُ فِيهَا، وَلَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى الْعَلَامَاتِ فِيهِ آمَنَ وَكَاتَبَ وَسَاعَدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَالِ عَلَى شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَحِبَهُمْ، وَالرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ وَحَمْلُ الْآيَاتِ عَلَيْهَا بِعِيدٌ.{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ مَا أَثَابَ بِهِ أُولَئِكَ النَّصَارَى الَّذِينَ آمَنُوا بِالرَّسُولِ الْأَعْظَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ جَزَاءُ جَمِيعِ الْمُحْسِنِينَ عِنْدَهُ الَّذِينَ آمَنُوا كَإِيمَانِهِمْ وَخَشَعُوا لِلْحَقِّ كَخُشُوعِهِمْ، عَقَّبَ عَلَيْهِ بِجَزَاءِ السَّيِّئِينَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِنَا وَصِدْقِ رَسُولِنَا فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنَّا {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} أَيْ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ النَّارِ الْعَظِيمَةِ الْمُلَازِمُونَ لَهَا، الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَأْوَى سِوَاهَا أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا. اهـ.
|